إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
212412 مشاهدة
باب الوقف


[ باب: الوقف ]
وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنافع.
وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم ؛ لحديث: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم .


[ باب: الوقف ]
قوله: (وهي تحبيس الأصل وتسبيل المنافع):
الوقف هو: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ويصح في كل عين فيها منفعة أو ينتفع بها، سواء كان الوقف على معين أو على غير معين.
قوله: (وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم؛ لحديث: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث... إلخ):
الوقف قربة من القربات ؛ وذلك أن الإنسان يريد أن يبقى له عمل بعد موته، وفي هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له فهذه الثلاث هي التي يبقى أجره بها مستمرا بعد موته.
والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: صدقة جارية وهي: الوقف، ويدخل في الوقف وقف الكتب النافعة، فإذا كان عنده كتب وسبلها، وحبس الأصل وهو هذا الكتاب ليكون وقفا، فمن أراد أن يقرأ فيها فلا يرد بشرط الحفظ والصيانة، فيبقى أجر الواقف مستمرا مادام ينتفع بهذا الكتاب.
كذلك أيضا وقف الأشياء التي فيها منفعة وقد كانوا قديما يقفون بعض الأشياء التي ينتفع بها الناس في ذلك الزمان، فيسبلونها، فينتفع بها العاجز، فمثلا يسبلون القدر للطبخ فيه، فليس كل أحد يملك قدرا، وكذلك الأدوات مثل: المنجل للقطع به، والفأس لمن يحتطب بها، ثم يردها، ونحو ذلك.
وهكذا يصح وقف الأدوات والأجهزة الحديثة إذا كان ينتفع بها منفعة ليس فيها مضرة، مثل وقف السيارة أو ماكينة الخياطة أو الغسالة لمن يحتاج إليها ويستمر الأجر لمن سبلها.
وأيضا وقف البرادة أو الثلاجة لتبريد الماء وشربه، فقد كانوا قديما يسلبون القرب لتبريد الماء، فجاءت بدلا منها هذه البرادات وهذه الثلاجات، ففيها أيضا منفعة وهو شرب الماء باردا، فالذي يسبلها يكون له فيها أجر.
حتى المساجد وفرش المساجد تعتبر أيضا أسبالا، وأجهزة تكييف الهواء في المساجد تعتبر أسبالا، وكذلك مراوحها وأنوارها تعتبر أيضا مسبلة.
والوقف يخرج عن ملكية الواقف، وليس له أن يستعيده، فلو مثلا قال: رجعت عن هذا السبيل أو هذا الوقف، وسوف آخذ هذه المراوح وهذه المكيفات التي سبلتها للمسجد مثلا لأنها ملكي.
فتقول: خرجت من ملكك حتى ولو هدم المسجد فلا يجوز له أن يأخذ ما سبله من الفرش أو المكيفات وغيره، ويقول: ما دام أن المسجد هدم فسوف آخذ هذه الأشياء التي سبلتها، فنقول: خرجت من ملكك، وعليك أن تنقلها إلى مسجد آخر، فإن الوقف لا يعود ملكا على واقفه.
فالحاصل: أن الوقف يخرج من ملك الواقف وليس له أن يستعيده، وليس له إلا أجره ما دام أنه ينتفع به.
تارة يكون الوقف على معين كأن يقول: هذا البيت وقف على ذريتي المحتاج منهم، فإذا طلقت امرأة مثلا، أو افتقر واحد من الأولاد فيسكنه مدة حاجته، فإذا استغنى فإنه ينتقل عنه.
أو يقول: أجرة هذا البيت تصرف على المحتاج من أولادي، أو من أقاربي إذا استغنى أولادي.
أو يقول: أجرة هذا البيت تصرف في هذا المسجد لإصلاح ما تعطل منه، أو تصرف في تجهيز الموتى، أو في أجرة حفر الأبيار، أو في تسوير مقابر، أو ما أشبه ذلك.
والحاصل أن هذه كلها وقف على أعمال بر؛ فتنفذ وصية الواقف.
أما إذا كان الوقف على معصية فلا كرامة ولا يجوز؛ لأنه لا يجوز إقرار المعاصي، ولا إقرار الوقف على المعاصي، فلو أنه- مثلا- أوصى بأن يشترى بأجرة الدار طبول أو أشرطة أغاني ونحوها أو آلات لهو كالعود والشطرنج وما أشبه ذلك، أو يطبع بها كتب إلحاد مثلا أو كتب فسوق، أو يطبع بها كتب التوراة أو الإنجيل، أو أن يشترى بها أسلحة تعطى لقطاع الطريق أو للصوص؛ فمثل هذا لا يجوز، وكذلك لا يجوز أن يجعلها للعاهرات أو ما أشبهه، أو للبناء على القبور؛ لأنه محرم.
فالحاصل أنه لا بد أن يكون الوقف على بر، وسلم من الظلم؛ لهذا الحديث: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .